بيان تأثير الدعاء على توحيد الربوبية :
وهذا الإقرار بأن الله تعالى رب كل شيء ومليكه وأنه النافع والضار ، والمتفرد بإجابة الدعاء عند الاضطرار ، قال تعالى ( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون )
فالإقرار بتفرد الله بإجابة الدعاء من توحيده في ربوبيته لأن من مقتضى الربوبية أن يربيهم بالنعم وبما يحتاجون إليه ومن ذلك إجابة المضطر وإغاثة الملهوف وكشف الكرب وإزالة الضر فهو يربي عباده بهذه النعم .
ومنها أن قد كثر ورود لفظ الرب في دعوات الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين وكانت دعوات الأنبياء جميعا يارب. وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه اسم الله الأعظم . ومنها الاعتراف بأن الله هو النافع والضار ولهذا عاب الله المشركين الذين عبدوا ما لا ينفعهم ولا يضرهم فقال تعالى (يدعو من دون الله مالا يضره ومالا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد ) .
توحيد الألوهية :
الدعاء هو العبادة :
1. مما يبين مكانة الدعاء العظيمة ومنزلته الرفيعة افتتاح القرآن واختتامه بالدعاء وسورة الفاتحة تشتمل على نوعي الدعاء : دعاء العبادة ودعاء المسألة وختم بالمعوذتين وهي كلها مبنية على الدعاء .
وسمى الله الدعاء الدين :
ـ ( وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين )
ـ ( هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين ) .
الدعاء يشتمل على خصائص جليلة ومزايا كثيرة لا توجد في غيره من أنواع العبادات :
نفع الدعاء يقع في الحياة والممات حيث ثبت انتفاع الميت بدعاء الأحياء من ولد أو والد أو قريب قال صلى الله عليه وسلم ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : منها ولد صالح يدعو له ) وقال تعالى ( والذين جاؤوا من بعدهم يقولون .... )
سهولة الدعاء وعدم تقيده بزمان ولا مكان ولا حال .
اشتماله على حضور قلبي لا يوجد في غيره ، فإن من تعبد بالصلاة والزكاة والصيام يغلب عليه فيها الغفلة فإذا دعا استدعى ذلك له حضور في قلبه .
اشتماله على التذلل وإظهار الفاقة وذل العبودية وعز الربوبية.
الدعاء يجتمع فيه أنواع العبادات مالا يجتمع في غيره :
- توجه القلب إلى المدعو وقصده بكليته .
- رجاء إجابته للدعاء والرغبة إليه رغبة صادقة مع قطع الرجاء والأمل عن غيره .
- الخوف من عدم إجابته والرهبة والخشية منه
4. التوكل والاعتماد عليه في قضاء الحاجات .
5. تعظيم المدعو بأنواع التعظيم من التضرع والتذلل والخضوع والتملق والانطراح بين يديه .
6. ذكر المدعو باللسان واللهج باسمه في السر والعلن وندائه والاستغاثة به والهتاف باسمه .
7. محبة المدعو فإن النفس مولعة بمحبة من يحسن إليها .
8. التواضع وإظهار الفقر والحاجة والانكسار بين يدي الله تعالى و التذلل له و التبري من الحول و القوة إلا به.
9. البكاء ورفع اليدين إلى السماء .
10. الإخلاص يقوى في الدعاء بالذات .
ولقد اعتنى به القرآن أيما عناية , ومن عناية القرآن به وبضده أن مسألة الدعاء هي أعظم مسألة خالف فيها النبي صلى الله عليه وسلم المشركين فإنهم كانوا يتعبدون بإشراك الصالحين في دعاء الله تعالى وعبادته .
كما قال تعالى ( ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم و لا يضرهم و يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) وأقول إن القرآن لم يعتن بموضوع آخر مثل ما اعتنى بهذا الموضوع لأن الشرك في الألوهية هو السبب في الخلاف بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين .
ـ أغلب المشركين الأوائل الذين أرسل إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم كان في الدعاء لأن الحاجة إلى الدعاء أعظم. وإذ الافتقار والاحتياج من لوازم الإنسان والمشرك كلما وقع في مشكلة لا يخطر بباله إلا الاتجاه إلى معبوده بالدعاء .
ـ إن أصل شرك العالم هو الشرك في الدعاء وطلب الحوائج من الصالحين الميتين .
توحيد الأسماء والصفات :
o فمنها صفة العلم : إن من شأن الدعاء أن يعتقد الداعي أن مدعوه يعلم بدعائه وأحواله وما هو فيه من الكرب والشدة الفاقة والهم والغم .
وعليه فالداعي يعتقد أن المدعو عالم وعلمه محيط بجميع الكائنات وما تتحرك ذرة في السماء والأرض إلا هو عالم بها ولا يخطر على البال خاطر إلا هو يعلمه ، ولا يختلج في النفس شيء إلا وهو مطلع عليه .
o ومنها : صفة السمع والبصر : لأن من شأن الداعي أن يعتقد أن المدعو المنادى المستغاث به يسمع نداءه واستصراخه ويرى تضرعه وتذلُله وانطراحه بين يديه ومكانه في هذا العالم الفسيح المترامي الأطراف المختلطة فيه أصوات المستغيثين ونداءات المضطرين وشكايات المضطهدين .
وقد عاب إبراهيم على قومه دعاءهم لأصنامهم قال ( قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون)
وسماع أصوات الخلائق من البعد ليس إلا لله ( أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون)
o صفة المعية والقرب ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ) قيل في سبب نزولها أنها نزلت في سائل سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فأنزل الله الآية السابقة .
o صفة الحياة والقيومية : فالميت والنائم أو الغافل لا يستطيع التصرف لنفسه ولهذا عاب الله المشركين بدعائهم للأصنام التي ليس لها حياة فضلا عن القوامة فقال ( والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون )
o ومن الصفات الإرادة المطلقة والجود والكرم والرأفة والرحمة والغنى وغيرها .
o ومن أهمها صفة العلو : فإن البشر على اختلاف مستوياتهم في المعرفة واختلاف لغاتهم وتباعد أوطانهم وتباين عاداتهم وتقاليدهم اتفقوا على التوجه بالدعاء إلى السماء ورفع الأيدي إليها لا يختلف في ذلك مسلمهم وكافرهم وعربيهم وعجميهم عالمهم وجاهلهم وهذا يدل على أنه أمر فطري وضروري . ومن هنا جاءت الشريعة برفع الأيدي إلى جهة العلو تكميلا لما عليه الفطرة من اعتقاد العلو .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق