آية الأسبوع

آية الأسبوع:

{كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ} سورة ص آية 29

حديث شريف

حديث نبوي شريف:

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده.


دعاء الأسبوع

دعاء الأسبوع:

اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وذنوبنا اللهم اجعلنا من الذين يتلونه آناء الليل وأطراف النهار اللهم اجعله حجتاً لنا لا علينا اللهم اجعله شافعا لنا يوم القيامة

مقتطفات من مقالات الموقع

بعد غياب دام لشهور استوجبته بعض الظروف الشخصية و حاجة للوقوف مع النفس و للتأمل في أهداف الموقع و الطموح للتجديد في محتواه، يسرني أن أعلمكم بإذن الله باستئناف نشر المقالات و الدروس الهادفة، و انطلاق سلسلة أحكام تجويد القرآن الكريم المدرجة بعنوان "و رتل القرآن ترتيلا"، نسأل الله تعالى التوفيق و السداد لما فيه خير و أن يتقبل منا و منكم صالح الأعمال و يجعلنا من أهل القرآن.

الثلاثاء، 21 ديسمبر 2010

اغتنم شبابك قبل هرمك

                  اغتنم شبابك قبل هرمك


الشباب هو زمن العمل، لأنه فترة قوة بين ضعفين، ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة، فمن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك" (رواه الحاكم وصححه)، قال الإمام أحمد: " ما شبهتُ الشباب إلا بشيء كان في كُمِّي فسقط".
إن الشباب هو وقت القدرة على الطاعة، وهو ضيف سريع الرحيل فإن لم يغتنمه العاقل تقطعت نفسه بعدُ حسرات:
ما قلت للشباب: "في كنف الله .. .. ولا حِفْظِه" غــداةَ استقلاّ
ضيف زارنا أقام عندنا قليلا .. .. سوّد الصحف بالذنوب وولى
فمن ثم يسأل الله عز وجل كل عبد من عباده عن نعمة الشباب كيف صرّفه، وبم أبلاه، قال صلى الله عليه وسلم: " لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه، حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم؟".(رواه الترمذي وصححه الألباني).

وعدّ صلى الله عليه وسلم في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: " شابا نشأ في عبادة الله".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " ما آتى الله عز وجل عبدا علما إلا شابا، والخير كله في الشباب، ثم تلا قوله عز وجل: "قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم"، وقوله تعالى: "إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى" ، وقوله تعالى: "وآتيناه الحكم صبيا".
قالت حفصة بنت سيرين: "يا معشر الشباب اعملوا، فإنما العمل في الشباب"، وقال الأحنف بن قيس: " السودد مع السواد".
(أي: من لم يسد في شبابه لم يسد في شيخوخته).
وهل كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه إلا شبابا؟!.
وهذا أسامة بن زيد رضي الله عنهما أمّره صلى الله عليه وسلم على الجيش وكان عمره ثماني عشرة سنة، وهذا عتّاب بن أسيد استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مكة لما سار إلى حنين وعمره نيف وعشرون سنة، إلى نماذج أخرى كثيرة لشباب أبلوا أحسن البلاء في حمل رسالة الإسلام، ونشر نوره في العالمين.
وقال يحيى بن معين لأحمد بن حنبل وقد رآه يمشي خلف بغلة الشافعي: "يا أبا عبدالله تركت حديث سفيان بعلوّه، وتمشي خلف بغلة هذا الفتى وتسمع منه؟ فقال له أحمد: لو عرفت لكنت تمشي من الجانب الآخر، إن علم سفيان إن فاتني بعلوّ أدركته بنزول، وإن عقل هذا الشاب إن فاتني لم أدركه بعلو ولا نزول".
قدم وفد على عمر بن عبد العزيز من العراق، فنظر إلى شاب منهم يتحوّز يريد الكلام، فقال عمر: كبّروا كبروا.. فقال الفتى: "يا أمير المؤمنين إن الأمر ليس بالسن، ولو كان كذلك كان في المسلمين من هو أسنُّ منك. قال: صدقت، فتكلم".
وحكى المسعودي في " شرح المقامات" أن المهدي لما دخل البصرة رأى إياس بن معاوية وهو صبي، و خلفه أربعمائة من العلماء وأصحاب الطيالسة، وإياس يقدمهم، فقال المهدي: "أما كان فيهم شيخ يتقدمهم غير هذا الحدث؟ ثم إن المهدي التفت إليه، وقال: كم سنك يا فتى؟ فقال: سني ـ أطال الله بقاء الأمير ـ  سن أسامة بن زيد بن حارثة لما  ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا فيهم أبو بكر وعمر. فقال له: "تقدم بارك الله فيك".
وذكر الخطيب في "تاريخ بغداد": أن يحيى بن أكثم ولي قضاء البصرة وسنُّه عشرون سنة أو نحوها، فاستصغروه، فقالوا: كم سن القاضي؟ فقال: "أنا أكبر من عتّاب بن أسيد الذي وجه به رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا على أهل مكة يوم الفتح، وأنا أكبر من معاذ بن جبل الذي وجه به رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا على أهل اليمن، وأنا أكبر من كعب بن سويد الذي وجه به عمر بن الخطاب قاضيا على البصرة، فجعل جوابه احتجاجا له.
وقال أبو اليقظان: ولّى الحجاج محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم الثقفي قتال الأكراد بفارس، فأباد منهم، ثم ولاه السند فافتتح السند والهند، وقاد الجيوش وهو ابن سبع عشرة سنة، فقال فيه الشاعر:
إن السماحة والمروءة والـندى .. .. لمحمــد بن القاسم بن محمد
قاد الجيوش لسبع عشرة حِجة .. .. يا قرب ذلك سُوددا من مولد!
ويروى : يا قرب ذلك سُورة من مولد، والسُورة: المنزلة الرفيعة.
ولما جيء بـ"حطيط الزيات" إلى الحجاج قال له الحجاج: أنت حطيط؟ قال: نعم ..سل ما بدا لك فإني عاهدت الله عند المقام على ثلاث خصال: "إن سئلت لأصدقن، وإن ابتليت لأصبرن، وإن عوفيت لأشكرن" ، فقال الحجاج: فما تقول فيّ؟ قال حطيط: أقول: إنك من أعداء الله في الأرض، تنتهك المحارم، وتقتل بالظنة. قال الحجاج: فما تقول في أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان؟ قال: أقول: إنه أعظم جرما منك، وإنما أنت خطيئة من خطاياه.
فأمر الحجاج بتعذيبه، حتى انتهى به العذاب إلى أن يشقق له القصب، ثم جعلوه على لحمه وشدوه بالحبال، ثم جعلوا يمدون قصبة قصبة حتى انتحلوا لحمه، فما سمعوه يقول شيئا، ولا بدا عليه جزع أو ضعف.
فأخبر الحجاج بأمره، وأنه في الرمق الأخير، فقال: أخرجوه فارموا به في السوق" ، ووقف عليه رجل وهو بين الحياة والموت يسأله: ألك حاجة؟ فما كان من "حطيط" إلا أن قال: "ما لي من حاجة في دنياكم إلا شربة ماء" ، فأتوه بشربة شربها، ثم مات، وكان ابن ثماني عشرة سنة.
وولي عبد الله بن زياد خراسان وهو ابن ثلاث وعشرين سنة، وليها لمعاوية رضي الله عنه ـ وولي معاذ اليمن وهو بن أقل من ثلاثين سنة.
وحمل أبو مسلم أمر الدولة والدعوة وهو بن إحدى وعشرين سنة.
وحمل الناس عن إبراهيم النخعي وهو ابن ثماني عشرة سنة.
ومات سيبويه إمام النحو، وحجة العرب ، وله من العمر اثنتان وثلاثون سنة.
قال البحتري:
لا تنظرن إلى العباس من صغر      في السن، وانظر إلى المجد الذي شادا
إن النجود نجومَ الأفق أصغرُها      في العين أذهبُها في الجو إصعادا
إن الشباب هم  الشريحة الفعالة في الأمة، وهم عمودها الفقري، وجهازها العضلي، وروحها الحية، وطليعتها الوثابة، ولا يتصور نجاح دعوة أو حركة لا تقوم على حماس الشباب وقوته.
ــــــــــــــــ
من كتاب "علو الهمة" للشيخ محمد إسماعيل المقدم

الأحد، 19 ديسمبر 2010

صلاة الفجر هي مقياس حبك لله عز وجل


صلاة الفجر هي مقياس حبك لله عز وجل





كانت سعادة ذلك الشاب عظيمة حينما وافقت الشركة ذائعة الصيت على تعيينه بها .. وانطلق يطير فرحا .. فهو الوحيد من بين أقرانه الذي نال تلك الوظيفة .. وقد مضى ذلك العقد الذي يقضي بموافقته على الالتزام بمواعيد العمل وتقديم التقارير أسبوعيا عن نشاطه وأدائه .. وموافقته على محاسبته عند التقصير ..


مضت أيام .. وذهب الشاب لمديره .. قائلا له : إنني لن أواظب بداية من الغد على الحضور في الميعاد .. ولن ألتزم بتقديم التقارير في الوقت المحدد بل سأقوم بتأخيرها بعض الشيء .. ولكنني لن أسمح لكم بمحاسبتي .. بل ليس لكم الحق في طردي من العمل ..

إننا إن تخيلنا هذا الموقف سوف نضحك ساخرين من ذلك الشاب وسيصفه البعض بالجنون والحماقة .. فكيف يريد أخذ حقوقه دون تأدية الواجبات التي عليه ؟

فما بال الكثير منا يرتكب نفس الفعل العجيب .. بل وأقسى منه .. فهو يرتكبه في حق الله سبحانه وتعالى .. فكيف يسمح شخص عاقل لنفسه .. أن يتنعم بكل ما حوله من نعم الله سبحانه وتعالى .. من طعام وشراب وكساء ومتع الدنيا .. ثم لا يقدّم لله أبسط الواجبات التي أمره بها .. ألا وهي الصلاة ؟ وإذا قدمها له قدمها في غير وقتها ... ينقرها كنقر الديكة .. لا يخشع فيها ولا يدرك ما يردد ..

في استطلاع للرأي شارك فيه أكثر من 8800 زائر لموقعنا إذاعة طريق الإسلام .. سألنا فيه زوار الموقع عن كم يوما صليت فيه الفجر حاضرا خلال الأسبوع الماضي، ولم نشترط فيه الصلاة بالمسجد .. فكانت النتيجة مخيبة للآمال .. فهناك 34 بالمائة لم يصلوا الفجر حاضرا في أي يوم، بينما 15 بالمائة صلوه مرتين أو مرة طوال الأسبوع، و19 بالمائة صلوه من ست إلى ثلاث مرات .. و31 بالمائة واظبوا على الصلاة يوميا ونسبة قليلة فات منها يوم واحد .. فسبحان الله .. نحن لا نتكلم في أمور اجتهادية اختلف فيها علماء .. أو في سنن يمكن للمسلم أن يفرّط فيها .. بل نتكلم في ألف باء الإسلام .. في الصلاة التي فرضها الله سبحانه وتعالى على المسلم تحت كل الظروف والأحوال ..

إن الله سبحانه وتعالى حينما أمر المسلمين بأداء الصلوات .. توعّد لأولئك الذين يؤخرونها عن أوقاتها فقال : { فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون } وقد قال المفسرون : المقصدون بهذه الآية تأخير الصلاة عن وقتها .. وقالوا أيضا : الويل هو واد في جهنم .. بعيد قعره .. شديدة ظلمته .. فهل تصدق أمة الإسلام كتاب ربها ؟

إن الكثير من المسلمين في هذا العصر أضاعوا صلاة الفجر .. وكأنها قد سقطت من قاموسهم .. فيصلونها بعد انقضاء وقتها بساعات بل يقوم بعضهم بصلاتها قبل الظهر مباشرة ولا يقضيها الآخرون.. فلماذا هذا التقصير في حق الله سبحانه وتعالى ؟

- ألسنا نزعم جميعا أننا نحب الله سبحانه وتعالى أكثر من أي مخلوق على ظهر هذه الأرض ؟ .. إن الإنسان منا إذا أحب آخرا حبا صادقا .. أحب لقاءه .. بل أخذ يفكـّـر فيه جل وقته .. وكلما حانت لحظة اللقاء لم يستطع النوم .. حتى يلاقي حبيبه .. فهل حقا أولئك الذين يتكاسلون عن صلاة الفجر .. يحبون الله ؟ هل حقا يعظّمونه ويريدون لقاءه ؟

- دعونا نتخيل رجلا من أصحاب المليارات قدم عرضا لموظف بشركته خلاصته : أن يذهب ذلك الموظف يوميا في الساعة الخامسة والنصف صباحا لبيت المدير بهذا الرجل ليوقظه ويغادر ( ويستغرق الأمر 10 دقائق ).. ومقابل هذا العمل سيدفع له مديره ألف دولار يوميا .. وسيظل العرض ساريا طالما واظب الموظف على إيقاظ الثري ..
ويتم إلغاء العرض نهائيا ومطالبة الموظف بكل الأموال التي أخذها إذا أهمل ايقاظ مديره يوما بدون عذر ..
إذا كنت أخي المسلم في مكان هذا الموظف .. هل ستفرط في الاتصال بمديرك ؟
ألن تحرص كل الحرص على الاستيقاظ كل يوم من أجل الألف دولار ؟
ألن تحاول بكل الطرق إثبات عدم قدرتك على الاستيقاظ إذا فاتك يوم ولم تتصل بمديرك ؟
ولله المثل الأعلى .. فكيف بك أخي الكريم .. والله سبحانه وتعالى رازقك وهو الذي أنعم عليك بكل شيء .. نعمته عليك تتخطى ملايين الملايين من الدولارات يوميا فقد
قال : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } .. أفلا يستحق ذلك الإله الرحيم الكريم منك أن تستيقظ له يوميا في الخامسة والنصف صباحا لتشكره في خمس أو عشر دقائق على نعمه العظيمة وآلائه الكريمة ؟

حكم التفريط في صلاة الفجر :

قال الله تعالى : { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا }

- إن الإسلام منهج شامل للحياة .. هو عقد بين العبد وربه .. يلتزم فيه العبد أمام الله بواجبات .. ونظير هذه الواجبات يقدم الله له حقوقا ومزايا .. فليس من المنطقي أن توافق على ذلك العقد .. ثم بعدها تفعل منه ما تشاء .. وتترك ما تشاء ..

ويقول الله سبحانه وتعالى : { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة } .. قال المفسرون : أي اقبلوا الإسلام بجميع أحكامه وتشريعاته. وقد غضب الله على بني إسرائيل حينما أخذوا ما يريدون من دينه ولم يعملوا بالباقي فقال لهم : { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض }

- ‏لقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الذي يفرّط في صلاتي الفجر والعشاء في الجماعة بأنه منافق معلوم النفاق ! فكيف بمن لا يصليها أصلا .. لا في جماعة ولا غيرها ... فقد قال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏: « ‏ليس صلاة ‏‏ أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء ولو يعلمون ما فيهما (يعني من ثواب) لأتوهما ولو حبوا (أي زحفا على الأقدام) » رواه الإمام البخاري في باب الآذان.

- إن الله سبحانه وتعالى يتبرأ من أولئك الذين يتركون الصلاة المفروضة .. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : « ‏لا ‏تترك ‏الصلاة‏ متعمدا، فإنه من ترك الصلاة ‏متعمدا فقد برئت منه ذمة الله ورسوله » رواه الإمام أحمد في مسنده.
فهل تحب أخي المسلم أن يتبرأ منك أحب الناس إليك ؟
فكيف تفوّت الصلاة ليتبرأ الله منك ؟

وبعد هذه المقالة .. ما هو العلاج ؟



  • أن يقوم كل منا بوضع منبّـه يضبطه على ميعاد صلاة الفجر يوميا




  • أن يتم إعطاء الصلاة منزلتها في حياتنا فنضبط أعمالنا على الصلاة وليس العكس.



  • أن ننام مبكرا ونستيقظ للفجر ونعمل من بعده .. فبعد الفجر يوزع الله أرزاق الناس.


  • أن يلتزم كل منا بالصحبة الصالحة التي تتصل به لتوقظه فجرا وتتواصى فيما بينها على هذا الأمر.


  • أن نواظب على أذكار قبل النوم ونسأل الله تعالى أن يعيننا على أداء الصلاة.


  • أن نشعر بالتقصير والذنب إذا فاتتنا الصلاة المكتوبة ونعاهد الله على عدم تكرار هذا الذنب العظيم.





  • جعلنا الله وإياكم من المحبين لله عز وجل .. ورزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل.

    هذا وما كان من صواب فمن الله .. وما كان من زلل أو خطأ فمن نفسي أو الشيطان.

    الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

    وقفات مع نهاية العام


    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله أولاً وآخراً، والصلاة والسلام على من جاء بالصدق وصدّق به ظاهراً وباطناً، وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين، أمّا بعد: 

    ما أسرع مرور الأيام، وما أشدّ تعاقب الملوان (الملوان: الليل والنهار)، وما أجرأ الليالي على هدم أعمارنا وانتقاص آجالنا.

    بالأمس القريب ودعنا شهر رمضان الذي مضى وكأنّه حلم جميل ما أتى إلاّ وقد آذن بانصرام.. ثم مضى بعده موسم الحج وكأنّه طيف خيال أو عابر سبيل مرَّ مرور الكرام وانصرف.

    واليوم نحن في وداع عامٍ كامل من أعمارنا وفي استقبال عام جديد.. سنة كاملة من عمر الإنسان قد تهيأت للرحيل.. ماذا أدينا فيها من أعمال؟!

    وماذا قدَّمنا من طاعات؟ وماذا اكتسبنا فيها من أجور وحسنا؟

    كم آية من القرآن قرأنا؟

    وكم صلاة ركعنا فيها وسجدنا؟

    وكم درهم أو دينار أنفقنا وتصدقنا؟

    وكم من الأيام صُمنا؟

    وكم من المعروف بذلنا؟

    كم يتيم مسحنا دمعته؟

    وكم مسكين فرَّجنا عنه كربته؟

    وكم بائيسٍ فقير سددنا خلّته وقضينا حاجته؟

    وكم مجاهدٍ دعونا له ونصرناه؟

    وكم آمر بالمعروف ناهٍ عن المنكر شددنا أزره وباركنا خطاه؟

    كم معصية ركبنا؟

    وكم نظرة خائنة نظرنا؟

    وكم رجل أو امرأة اغتبنا؟

    وكم من حدود الله انتهكنا؟

    وكم من ضعيف ظلمنا؟

    وكم من فقير أو مسكين أو يتيم أهملنا؟

    وكم من الساعات والأيام غفلنا؟

    سنة كاملة أُودع فيها في صحائف الحسنات ما شاء الله أن يُودع.. وسُوّد فيها في صحائف السيئات ما شاء الله أن يُسوّد.. فيا ليت شعري من منَّا المقبولُ فنهنِّيه.. ومن منّا المطرود فنعزّيه..

    ووجدوا ما عملوا حاضراً

    ولئن كنا قد نسينا ما فعلنا من الحسنات والسيئات.. فإنّ ذلك محفوظ في كتاب قد أحصاه الملكان.. وسطره الكرام الكاتبون.. قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] أي ما يتكلم ابن آدم بكلمة إلاّ ولها مَنْ يرقبها، مُعَدٌّ لذلك، يكتبها، ولا يترك كلمة ولا حركة، كما قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَاماً كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار : 10-12].
    وفي يوم القيامة يرى كلّ إنسان عمله ماثلاً أمام عينيه فيعتريه الخوف والهلع، ويُنجّي الله تعالى أهل الإيمان برحمته بعد أن أطاعوه واتبعوا رسوله صلى الله عليه وسلم وعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته، ويهلك الكافرين بسبب أعمالهم الخبيثة وأفعالهم الفضيعة كما قال تعالى : {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (31) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنَّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [الجاثية: 28-34].

    وفي هذا اليوم يقف العصاة مذهولين مبهورين ويقولن: {يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف: 49].

    بادر قبل أن يُبادر بك

    فيا أخي الحبيب! هل أعددت لهذا اليوم عُدَّته؟ وهل سعيت فيما ينجيك من هوله وكربته؟

    وهل حاسبت نفسك على ما بدر منك من أقوال وأعمال؟

    وهل اجتهدت في طاعة مولاك ذي الجلال والإكرام؟

    أم أنّك في غفلتك سادر.. وفي طريق الغيِّ سائر؟

    أَفِقْ أخي قبل أن يحين موعدك فتقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} فيقال لك{كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)} [المؤمنون: 99-100].

    وانظر أخي إلى الصالحين.. كيف كانوا يعملون؟ كيف كانوا يقولون؟ كيف كانوا يفعلون؟ واحكم على نفسك من خلالهم.. وقل لي: هل عملك ينجيك غداً من عذاب السعير؟ أم أنّك من الذين أساءوا العمل وأخطأوا المسير؟ أم من الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً؟ واجه نفسك بهذه الحقيقة ولا تعتمد على رجاء كاذب أو أماني باطلة..

    واعلم بأنّ الصالحين قبلك مع ما كانوا عليه من عبادة وطاعة وإحسان عمل، كانوا لا يثقون بأعمالهم، ويخافون من الردّ وعدم القبول..

    فهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والآخرين، الذين رفع الله ذكره.. وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.. وبشَّره بالمنزلة العظيمة والمقام الرفيع الذي لا أعظم منه ولا أرفع يوم القيامة.
    كان يقوم من الليل حتى تتفطّر قدماه، فلما قيل له: تفعل ذلك وقد غفر لك ربك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً؟». وكان صلى الله عليه وسلم يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم الواحد أكثر من مائة مرة..

    وهل كان صلى الله عليه وسلم يعصي ربه حتى يستغفره ويتوب إليه في اليوم مائة مرة؟

    كلا والله ما كان إلاّ طائعاً، ولكنها المحاسبة الدائمة للنفس، والمراقبة التامة لخطراتها، والتواضع الجم باستغفاره والتوبة إليه وعدم الركون إلى مقام النبوة الرفيع.. قال صلى الله عليه وسلم: «لن يدخل أحد الجنة بعمله». قالوا: ولا أنت يا رسول الله ؟! قال: «ولا أنا إلاّ أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل».

    فيا أخي الحبيب! إذا كان هذا حال سيد المرسلين فكيف يكون حالي وحالك؟ كيف نفرح ولا ندري ما مصيرنا؟ وكيف نلعب ولا ندري ما مآلنا؟ وكيف نمزح ولا ندري أمن أهل الجنة نحن أم من أهل النار؟ قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47].

    وقال تعالى: {يوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 30].

    وقال تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة: 6].

    فيحكم الله بين عباده ويحاسبهم على أعمالهم جميعاً، ولا يترك من ذلك شيئاً ولو كان صغيراً، ولا يظلم أحداً من خلقه، بل يعفو ويصفح، ويغفر ويرحم، ويعذّب من يشاء بقدرته وحمته وعدله، ويملأ النار من الكفار وأصحاب المعاصي، ثم ينجي أصحاب المعاصي من المؤمنين فيخرجهم من النار بعد أن يعذَّبوا فيها ما شاء الله، ويخلّد فيها الكافرين، وهو الحاكم الذي لا يجور ولا يظلم..

    ثم لتُسألنَّ يومئذ عن النعيم

    ولعظيم يوم الجزاء أمر الله عباده بمحاسبة أنفسهم والاستعداد لما أمامهم حتى لا يفجأهم الموت وهم على حالهم من الغفلة والإهمال، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18].

    قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم".

    وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإنّه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافية".

    فالمؤمن يحاسب نفسه لأنّه يعلم أنّه سوف يحاسب غداً بين يدي الله عز وجل، والعاصي يمضي قُدماً لا يحاسب نفسه؛ لأنّه غافل عن يوم الحساب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحدٍ إلاّ سيكلمه ربّه عز وجلّ، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلاّ ما قدَّم، وينظر بين يديه فلا يرى إلاّ النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة»[متفق عليه].

    وقد أخبر الله تعالى في كتابه أنّنا سوف نُسأل عن نعيم الدنيا فقال تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8].

    سوف يسألنا الله عز وجل عن نعيم الدنيا؛ عن الماء البارد، والطعام الشهي، والمسكن والمركب والملبس؛ ماذا عملنا فيه؟ وكيف وصلنا إليه؟

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما عبدٍ حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن علمه ما فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه» [رواه الترمذي وصححه الألباني].

    قال قتادة: "إنّ الله سائل كلّ عبد عما استودعه من نعمه وحقه".

    وقال ابن القيم رحمه الله: "والنعيم المسئول عن نوعان: نوع أُخذ من حلّه وصُرف في حقّه، فيسال عن شكره، ونوع أُخذ بغير حلّه وصرف في غير حقّه، فيسأل عن مستخرجه ومصرفه".

    فيا أخي الحبيب: أعدّ للسؤال جواباً، وللجواب صدقاً وصواباً، فإنّ الأمر جدُّ خطير، لأنّه متعلق بالمآل والمصير، إمّا نعيم مقيم، وإمّا عذاب أليم.
    قال أحد السلف: "لو أن الله توعدني إن أنا عصيته أن يسجنني في الحمام لكان أجدرُ بي أن لا أفتر من عبادة الله عز وجل، فكيف وقد توعدني إن أنا عصيته أن يعذبني في نار جهنم؟!".

    طريقة المحاسبة

    قال الإمام ابن القيم رحمه الله في طريقة محاسبة النفس: "وجماع ذلك أن يحاسب نفسه أولاً عن الفرائض، فإن تذكَّر فيها نقصاً تداركه، إما بقضاء أو إصلاح.
    ثم يحاسبها عن المناهي، فإذا عرف أنّه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية.
    ثم يحاسب نفسه على الغفلة، فإن كان قد غفل عما خُلق له، تداركه بالذكر والإقبال على الله تعالى.
    ثم يحاسبها بما تكلّم به، أو مشت إليه رجلاه، أو بطشت يداه، أو سمعته أذناه: ماذا أردت بهذا؟ ولمن فعلته؟ وعلى أيّ وجه فعلته؟
    ويعلم أنّه لابد أن ينشر لكلّ حركة وكلمة ديوانان: ديوان لمن فعلته؟ وكيف لعته؟؛ فالأول سؤال عن الإخلاص، والثاني سؤال عن المتابعة".

    من أخبار أهل المحاسبة

    أخي الحبيب: ليست محاسبة النفس مقتصرة على نهاية العام، أو نهاية الشهر أو نهاية اليوم، فإنّ الصالحين كانوا يحاسبون أنفسهم عند كلّ عمل من الأعمال أو قول من الاقوال، قال الحسن رحمه الله: "رحم الله عبداً وقف عن همّه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخَّر..".

    وقال الحسن أيضاً في قوله تعالى: {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة: 2]: "لا تلقى المؤمن إلاّ يعاتب نفسه: ماذا أردت بكلمتي؟ ماذا أردت بأكلتي؟ ماذا أردت بشربتي؟، والعاجز يمضي قدماً لا يعاتب نفسه".

    وقال ميمون بن مهران:" لا يكون الرجل تقيّاً حتى يكون لنفسه أشدّ محاسبة من الشريك لشريكه".

    وقال إبراهيم التيمي:مثّلتُ نفسي في الجنة آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها. ثم مثَّلت نفسي في النار؛ آكلُ من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: أي نفسي!! أي شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أُردّ إلى الدنيا فأعمل صالحاً. قلت: فأنت في الأمنية فاعملي".

    وكذلك أنت ـ أخي الحبيب ـ لازالت الفرصة أمامك فاغتنمها ولا تضيعها، فإنّ كثيراً غيرك قد حُرموا تلك الفرصة، ووسِّدوا القبور، وجُندلوا في صفائحها، فاشكر الله على تلك المهلة، وتب إليه ممّا مضى، وأحسن العمل فيما بقي، فإنّ الأعمال بالخواتيم، والتوبة تمحو ما كان قبلها من الذنوب، فخُذ نفسك بالجدّ، ودَعْ عنك الكسل والفتور، فقد ذكر محمد بن المنكر أنّ تميماً الداري رضي الله عنه نام ليلة لم يقم يتهجد فيها حتى أصبح، فعاقب نفسه بقيام سنة كاملة للذي صنع.

    وكان الأسود بن يزيد مجتهداً في العبادة، يصوم النهار، ويقوم الليل، فقال له علقمة: كم تعذّب هذا الجسد، فقال الأسود: كرامة هذا الجسد أريد.

    وانظر ـ أخي ـ كيف كانوا يحادثون أنفسهم، ويكلمونها، ويسمعون منها، وكأنّها أشخاص غيرهم، أو أشباح يحسّون بها ولا يرونها، فقد سمع محمد بن المنكدر زياد بن أبي زياد وهو يخاصم نفسه في المسجد يقول: اجلسي هنا.. أين تريدين؟ أين تذهبين؟ أتخرجين إلى أحسن من هذا المسجد؟ انظري إلى ما فيه.. تريدين أن تبصري دار فلان، ودار فلان، ودار فلان؟.. وكان يقول لنفسه: مالك من الطعام يا نفس إلاّ هذا الخبز والزيت، ومالك من الثياب إلاّ هذان الثوبان ومالك من النّساء إلاّ هذه العجوز، أفتحبين أن تموتي؟ فقالت: أصبر على هذا العيش..

    وأعظم من هذا أنّهم كانوا يعاتبون أنفسهم في ساحات القتال وميادين الوغى لئلا تتراجع وتتخاذل أمام بريق السيوف وطعنات الأسنة وضربات الرماح، ففي غزوة مؤتة حينما أصيب جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه دعا الناس: "يا عبدالله بن رواحة! يا عبدالله بن رواحة!" وكان في جانب العسكر ومعه ضلع جمل ينهشه، ولم يكن ذاق طعاماً قبل ذلك بثلاث، فحينما سمع النداء رمى بالضلع ثم قال:"وأنت مع الدنيا!! ثم تقدم فقاتل"، فأصيب أصبعه، فارتكز فجعل يقول: 

    هل أنتِ إلاّ إصبع دميــتِ وفي سبيل الله ألقيــــتِ

    يا نفسُ إلا تقتلي تمـوتي هذا حياضُ الموت قد صليتِ

    وما تمنيت فقد لقيـــتِ إن تفعلي فعلهما هديـــتِ

    وإن تأخرتِ فقد شقيتِ

    ثم قال: "يا نفس! إلى أيِّ شيء تتوقين؟ إلى فلانة؟ هي طالق ثلاثاً. وإلى فلان وفلان؟ غلمان له ـ وإلى معجف ـ حائط له ـ فهو لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم".

    ثم يقول: 

    يا نفس مالك تكرهين الجنة أقسم بالله لتنــــــزلنه 

    طائعة أو لتكــــرهنَّهْ فطالما قد كنت مطمئـــنة

    هل أنت إلاّ نطفة في شنة قد أجلب الناس وشدوا الرنهْ

    ثم قاتل حتى قُتل رضي الله عنه.

    فيا أخي الحبيب! دع عنك التسويف والغفلة، وإيّاك إيّاك وطول الأمل، ولا يغرنك الذين عمّروا طويلاً، ولكن انظر كم يموت من الشباب.

    قال ابن الجوزي رحمه الله: يجب على من لا يدري متى يبغته الموت أن يكون مستعدّاً، ولا يغتر بالشباب والصحة، فإن أقلَّ من يموت الأشياخ، وأكثر من يموت من الشباب، ولهذا يندر من يكبر، وقد أنشدوا: 


    يُعَمِّرُ واحد فيغرُّ قوماً ويُنسى من يموت من الشباب!!

    كم من الشباب يموتون بالأمراض الفتاكة؟

    وكم من الشباب يموتون بسبب الحوادث القاتلة؟

    وكم من الشباب يموتون بسبب الإدمان؟

    وكم من الشباب يموتون بسبب الحروب والخصومات؟


    فعلى الحازم أن يتجهّز للقاء الله، وأن يبادر إلى التوبة والأعمال الصالحة، ولا يفتر من محاسبة نفسه ومعاتبتها في ساعته، في يومه، في شهره، في سنته، حتى يدركه الموت على حالٍ من اليقظة والاستعداد والتأهب.

    أخي الحبيب! 

    تؤمّل في الدنيا قليلاً 

    ولا تــدري إذا جنَّ ليلٌ هل تعيش إلى الفجر

    فكم من صحيح مات من غير علة

    وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر

    نسأل الله تعالى أن يوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    خالد أبو صالح
    دار الوطن

    عام مضى وعام قد أتى


    عام مضى وعام قد أتى !!


    بالأمس القريب ودَّعنا شهر رمضان الذي مضى وكأنَّه حلم جميل ما أتى إلا وقد آذن بانصرام.. ثم مضى بعده موسم الحج وكأنّه طيف خيال أو عابر سبيل مرَّ مرور الكرام .

    واليوم نحن في وداع عامٍ كامل من أعمارنا وفي استقبال عام جديد..

    سنة كاملة من عمر الإنسان قد تهيَّأت للرحيل..

    ماذا أدَّينا فيها من أعمال؟!

    وماذا قدَّمنا من طاعات؟ وماذا اكتسبنا فيها من أجور وحسنات؟

    كم آية من القرآن قرأنا؟

    وكم صلاة ركعنا فيها وسجدنا؟

    وكم درهم أو دينار أنفقنا وتصدَّقنا؟

    وكم من الأيام صُمنا؟

    وكم وكم وكم ...؟

    سنة كاملة أُودع فيها في صحائف الحسنات ما شاء الله أن يُودع.. وسُوِّد فيها في صحائف السيئات ما شاء الله أن يُسوّد.. فيا ليت شعري من منَّا المقبولُ فنهنِّيه.. ومن منّا المطرود فنعزّيه.

    السبت، 4 ديسمبر 2010

    الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 3- الجزء الأول-


    الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ( 3)- الجزء الأول-


    فاتحة الكتاب هي أم الكتاب، لا تصلح الصلاة بدونها، فأنت في كل ركعة تستطيع أن تقرأ آية من القرآن الكريم، تختلف عن الآية التي قرأتها في الركعة السابقة، وتختلف عن الآيات التي قرأتها في صلواتك.. ولكن إذا لم تقرأ الفاتحة فسدت الصلاة، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صلى صلاة لم يقرأ فيها أم القرآن فهي خداج ثلاثا غير تام " أي غير صالحة.
    فالفاتحة أم الكتاب التي لا تصلح الصلاة بدونها، والله سبحانه وتعالى يقول في حديث قدسي: " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل.. فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين. قال الله عز وجل حمدني عبدي. فإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله عز وجل: أثنى علي عبدي، فإذا قال مالك يوم الدين، قال الله عز وجل مجدني عبدي.. فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين، قال الله عز وجل هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل.. وإذا قال: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ الضَّآلِّينَ } قال الله عز وجل: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ".
    وعلينا أن نتنبه ونحن نقرأ هذا الحديث القدسي ان الله تعالى يقول: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي، ولم يقل قسمت الفاتحة بيني وبين عبدي، ففاتحة الكتاب هي أساس الصلاة، وهي أم الكتاب.
    نلاحظ ان هناك ثلاثة أسماء لله قد تكررت في بسم الله الرحمن الرحيم، وفي فاتحة الكتاب، وهذه الاسماء هي: الله. والرحمن والرحيم. نقول أن ليس هناك تكرار في القرآن الكريم، وإذا تكرر اللفظ يكون معناه في كل مرة مختلفا عن معناه في المرة السابقة، لأن المتكلم هو الله سبحانه وتعالى.. ولذلك فهو يضع اللفظ في مكانه الصحيح، وفي معناه الصحيح..
    قولنا: { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـانِ الرَّحِيمِ } هو استعانة بقدرة الله حين نبدأ فعل الأشياء.. إذن فلفظ الجلالة { اللَّهِ } في بسم الله، معناه الاستعانة بقدرات الله سبحانه وتعالى وصفاته. لتكون عونا لنا على ما نفعل. ولكن إذا قلنا: الحمد لله.. فهي شكر لله على ما فعل لنا. ذلك اننا لا نستطيع أن نقدم الشكر لله إلا إذا استخدمنا لفظ الجلالة. الجامع لكل صفات الله تعالى. لأننا نحمده على كل صفاته ورحمته بنا حتى لا نقول باسم القهار وباسم الوهاب وباسم الكريم، وباسم الرحمن.. نقول الحمد لله على كمال صفاته، فيشمل الحمد كمال الصفات كلها.
    وهناك فرق بين { بِسْمِ اللَّهِ } الذي نستعين به على ما لا قدرة لنا عليه.. لأن الله هو الذي سخر كل ما في الكون، وجعله يخدمنا، وبين { الْحَمْدُ للَّهِ } فإن لفظ الجلالة إنما جاء هنا لنحمد الله على ما فعل لنا.

    فكأن " بسم الله في البسملة " طلب العون من الله بكل كمال صفاته.. وكأن الحمد لله في الفاتحة تقديم الشكر لله بكل كمال صفاته.
    و } الرَّحْمَـانِ الرَّحِيمِ { في البسملة لها معنى غير } الرَّحْمَـانِ الرَّحِيمِ { في الفاتحة، ففي البسملة هي تذكرنا برحمة الله سبحانه وتعالى وغفرانه حتى لا نستحي ولا نهاب أن نستعين باسم الله ان كنا قد فعلنا معصية.. فالله سبحانه وتعالى يريدنا أن نستعين باسمه دائما في كل اعمالنا. فإذا سقط واحد منا في معصية، قال كيف استعين باسم الله، وقد عصيته؟ نقول له ادخل عليه سبحانك وتعالى من باب الرحمة.. فيغفر لك وتستعين به فيجيبك.
    وانت حين تسقط في معصية تستعيذ برحمة الله من عدله، لأن عدل الله لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا احصاها.
    وأقرأ قول الله تعالى:{ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ ياوَيْلَتَنَا مَالِ هَـاذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً }[الكهف: 49] ولولا رحمة الله التي سبقت عدله. ما بقي للناس نعمة وما عاش أحد على ظهر الأرض.. فالله جل جلاله يقول:{ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلاكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَىا أَجَلٍ مُّسَمًّىا فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }[النحل: 61] فالانسان خلق ضعيفا، وخلق هلوعا. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يدخل أحدكم الجنة بعمله إلا أن يتغمده الله برحمته، قالوا: حتى أنت يا رسول الله قال: حتى أنا ".
    فذنوب الانسان في الدنيا كثيرة.. إذا حكم فقد يظلم. وإذا ظن فقد يسئ.. وإذا تحدث فقد يكذب.. وإذا شهد فقد يبتعد عن الحق.. وإذا تكلم فقد يغتاب.
    هذه ذنوب نرتكبها بدرجات متفاوتة. ولا يمكن لأحد منا ان ينسب الكمال لنفسه حتى الذين يبذلون اقصى جهدهم في الطاعة لا يصلون الى الكمال، فالكمال لله وحده. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ".
    ويصف الله سبحانه وتعالى الانسان في القرآن الكريم
    :{ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }[إبراهيم: 34] ولذلك أراد الحق سبحانه وتعالى ألا تمنعنا المعصية عن ان ندخل الى كل عمل باسم الله.. فعلمنا أن نقول: } بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـانِ الرَّحِيمِ { لكي نعرف أن الباب مفتوح للاستعانة بالله. وأن المعصية لا تمنعنا من الاستعانة في كل عمل باسم الله.. لأنه رحمن رحيم، فيكون الله قد أزال وحشتك من المعصية في الاستعانة به سبحانه وتعالى.

    ولكن الرحمن الرحيم في الفاتحة مقترنة برب العالمين، الذي أوجدك من عدم.. وأمدك بنعم لا تعد ولا تحصى. انت تحمده على هذه النعم التي أخذتها برحمة الله سبحانه وتعالى في ربوبيته، ذلك أن الربوبية ليس فيها من القسوة بقدر ما فيها من رحمة.
    والله سبحانه وتعالى رب للمؤمن والكافر، فهو الذي استدعاهم جميعا الى الوجود. ولذلك فإنه يعطيهم من النعم برحمته.. وليس بما يستحقون.. فالشمس تشرق على المؤمن والكافر.. ولا تحجب أشعتها عن الكافر وتعطيها للمؤمن فقط، والمطر ينزل على من يعبدون الله. ومن يعبدون أوثانا من دون الله. والهواء يتنفسه من قال لا إله إلا الله ومن لم يقلها.
    وكل النعم التي هي من عطاء الربوبية لله هي في الدنيا لخلقه جميعا، وهذه رحمة.. فالله رب الجميع من أطاعه ومن عصاه. وهذه رحمة، والله قابل للتوبة، وهذه رحمة..
    إذن ففي الفاتحة تأتي } الرَّحْمَـانِ الرَّحِيمِ { بمعنى رحمة الله في ربوبيته لخلقه، فهو يمهل العاصي ويفتح ابواب التوبة لكل من يلجأ اليه.
    وقد جعل الله رحمته تسبق غضبه. وهذه رحمة تستوجب الشكر. فمعنى } الرَّحْمَـانِ الرَّحِيمِ { في البسملة يختلف عنها في الفاتحة