أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
صدق الله العظيم
خواطر الشيخ الشعراوي رحمه الله حول الآيات
وَمَا
أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا
مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ
لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ
ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا
هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا(38)
صدق الله العظيم
سورة الكهف آيات 36 و 37 و 38
وَمَا
أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا
مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36)
هكذا أطلق لغروره العنان، وإنْ قُبلَتْ منه:* مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـاذِهِ أَبَداً *[الكهف: 35] فلا يُقبَل منه * وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً.. * [الكهف: 36] لذلك لما أنكر قيام الساعة هَزَّته الأوامر الوجدانية، فاستدرك قائلا: * وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىا رَبِّي.. * [الكهف: 36] أي: على كل حال إنْ رُددتُ إلى ربي في القيامة، فسوف يكون لي أكثر من هذا وأعظم وكأنه ضمن أن الله تعالى أَعدَّ له ما هو أفضل من هذا.
ونقف لنتأمل قَوْل هذا الجاحد المستعلي بنعمة الله عليه المفتون بها: * وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىا رَبِّي.. * [الكهف: 36] حيث يعرف أن له رباً سيرجع إليه، فإنْ كنت كذوباً فكُنْ ذَكُوراً، لا تُناقِض نفسك، فما حدَث منك من استعلاء وغرور وشَكٍّ في قيام الساعة يتنافى وقولك * رَبِّي * ولا يناسبه.
و * مُنْقَلَباً * أي: مرجعاً.
ثم يقول الحق سبحانه: * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ... *.
قَالَ
لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ
ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37)
هنا يردُّ عليه صاحبه المؤمن مُحَاوراً ومُجادلاً ليجُلِّيَ له وَجْه الصواب: * أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ.. * [الكهف: 37] أي: كلامك السابق أنا أنا، وما أنت فيه من استعلاء وإنكار، أتذكر هذا كله ولا تذكر بدايتك ومنشأك من تراب الذي هو أصل خَلْقك * ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ.. * [الكهف: 37] وهي أصل التناسل * ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً * [الكهف " 37] أي: كاملاً مُسْتوياً (ملو هدومك).
و * سَوَّاكَ.. * [الكهف: 37] التسوية: هي إعداد الشيء إعداداً يناسب مهمته في الحياة، وقلنا: إن العود الحديد السَّويّ مستقيم، والخطاف في نهايته أعوج، والاعوجاج في الخطاف هو عَيْن استقامته واستواء مهمته؛ لأن مهمته أن نخطف به الشيء، ولو كان الخطاف هذا مستقيماً لما أدَّى مهمته المرادة.
والهمزة في * أَكَفَرْتَ.. * [الكهف: 37] ليست للاستفهام، بل هي استنكار لما يقوله صاحبه، وما بدر منه من كُفْر ونسيان لحقيقة أمره وبداية خَلْقه.
والتراب هو أَصْل الإنسان، وهو أيضاً مرحلة من مراحل خَلْقه؛ لأن الله تعالى ذكر في خلق الإنسان مرة* مِّن مَّآءٍ *[السجدة: 8] ومرة* مِن تُرَابٍ *[آل عمران: 59]، [الروم: 20] ومرة* مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ *[الحجر: 26] ومرة* مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ *[الرحمن: 14].
لذلك يعترض البعض على هذه الأشياء المختلفة في خَلْق الإنسان، والحقيقة أنها شيء واحد، له مراحل متعددة انتقالية، فإنْ أضفْتَ الماء للتراب صار طيناً، فإذا ما خلطْتَ الطين بعضه ببعض صار حمأ مسنوناً، فإذا تركته حتى يجفّ ويتماسك صار صَلْصَالاً، إذن: فهي مرحليات لشيء واحد.
ثم يقول الحق سبحانه أن هذا المؤمن قال: * لَّاكِنَّاْ هُوَ اللَّهُ رَبِّي... *.
لَكِنَّا
هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38)
قوله: * لَّاكِنَّاْ.. * [الكهف: 38] أي: لكن أنا، فحذفت الهمزة وأُدغمت النون في النون. ولكن للاستدراك، المؤمن يستدرك على ما قاله صاحبه: أنا لستُ مثلك فيما تذهب إليه، فإنْ كنت قد كفرتَ بالذي خلقك من تراب، ثم من نطفة. ثم سوَّاك رجلاً، فأنا لم أكفر بمَنْ خلقني، فقَوْلي واعتقادي الذي أومن به: * هُوَ اللَّهُ رَبِّي.. * [الكهف: 38]
وتلاحظ أن الكافر لم يَقُلْ: الله ربي، إنما جاءتْ ربي على لسانه في معرض الحديث، والفرْق كبير بين القولين؛ لأن الربّ هو الخالق المتولّي للتربية، وهذا أمر لا يشكّ فيه أحد، ولا اعتراض عليه، إنما الشكّ في الإله المعبود المطاع، فالربوبية عطاء، ولكن الألوهية تكليف؛ لذلك اعترف الكافر بالربوبية، وأنكر الألوهية والتكليف.
ثم يؤكد المؤمن إيمانه فيقول: * وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً * [الكهف: 38]
ولم يكتفِ المؤمن بأن أبانَ لصاحبه ما هو فيه من الكفر، بل أراد أنْ يُعدّي إيمانه إلى الغير، فهذه طبيعة المؤمن أنْ يكون حريصاً على هداية غيره، لذلك بعد أنْ أوضح إيمانه بالله تعالى أراد أن يُعلِّم صاحبه كيف يكون مؤمناً، ولا يكمُل إيمان المؤمن حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وأيضاً من العقل للمؤمن أن يحاول أن يهدي الكافر؛ لأن المؤمن صُحح سلوكه بالنسبة للآخرين، ومن الخير للمؤمن أيضاً أن يُصحِّح سلوك الكافر بالإيمان.
لذلك من الخير بدل أنْ تدعوَ على عدوك أن تدعو له بالهداية؛ لأن دعاءك عليه سيُزيد من شقائك به، وها هو يدعو صاحبه، فيقول: * وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ... *.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق