وأول مَن وضع قواعد التجويد العلمية أئمةُ القراءة واللغة في ابتداء عصر التأليف، وقيل: إن الذي وضعها هو الخليل بن أحمد الفراهيدي، وقال بعضهم: أبو الأسود الدؤلي، وقيل أيضًا: أبو عُبَيد القاسم بن سلاَّم، وذلك بعدما كثرت الفتوحات الإسلامية، وانضوى تحت راية الإسلام كثيرٌ من الأعاجم، واختلط اللسان الأعجمي باللسان العربي، وفشا اللحن على الألسنة، فخشي ولاة المسلمين أن يُفضي ذلك إلى التحريف في كتاب الله - تعالى - فعَمِلوا على تلافي ذلك، وإزالة أسبابه، وأحدثوا من الوسائل ما يكفل صيانة كتاب الله - تعالى - من اللحن، فأحدثوا فيه النقط والتشكيل، بعد أن كان المصحف العثماني خاليًا منهما، ثم وضعوا قواعد التجويد حتى يلتزم كل قارئ بها عندما يتلو شيئًا من كتاب الله - تعالى.
وكان أول مَن ألَّف في التجويد أبا مزاحم الخاقاني المتوفَّى سنة: 325 هـ، وذلك في أواخر القرن الثالث الهجري، ألف قصيدة رائية مكوَّنة من واحد وخمسين بيتًا - وهي تعتبر أقدم نظمٍ في علم التجويد - ذكر فيها عددًا من موضوعات التجويد، وكان لها أثر في جهود العلماء اللاحقين من خلال استشهادهم بأبياتها، أو شرحهم لمعانيها، أو اقتباسهم منها.
لكن الملاحظ أن أبا مزاحم - رحمه الله - لم يستخدم كلمة التجويد في قصيدته، ولكنه استخدم كلمة: "حسن الأداء" وما اشتق منها، فقال: "أيا قارئ القرآن، أحسِن أداءه"، وقال: "فقد قلت في حسن الأداء قصيدة"، وعدم استخدامه لكلمة التجويد يشير إلى أن هذا المصطلح لم يكن مشهورًا وقتئذٍ، وإن كان قد استخدمه بعض العلماء مثل ابن مجاهد (ت: 324 هـ)، حين قال: "اللحن في القرآن لحنان: جلي وخفي؛ فالجلي: لحن الإعراب، والخفي: ترك إعطاء الحرف حقه من تجويد لفظه".
ثم تتابعت المصنفات بعد ذلك، فألف السعيدي علي بن جعفر (ت: 410هـ تقريبًا) كتابه: "التنبيه على اللحن الجلي واللحن الخفي"، وكتابه: "اختلاف القراء في اللام والنون".
ثم ألَّف مكي بن أبي طالب القيسي (ت: 437 هـ) كتابه: "الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة"، وألَّف الداني: (ت: 444 هـ) كتابه: "التحديد في الإتقان والتجويد"، وعددًا من الكتب؛ منها: "شرح قصيدة أبي مزاحم الخاقاني"، وألَّف أبو الفضل الرازي: (ت: 454 هـ) كتابًا في التجويد، وألَّف عبدالوهَّاب القرطبي: (ت: 462 هـ) كتاب: "الموضح في التجويد"، وكان من أشهر هذه المصنَّفات "متن تحفة الأطفال" الذي أنا بصدد شرحه - بعون الله تعالى.
وقد أحصى الأستاذ الدكتور/ غانم قدوري الحمد في كتابه: "الدراسات الصوتية عند علماء التجويد" ما يزيد على مائة كتاب ورسالة في علم التجويد، منها ما هو مخطوط، ومنها ما هو مطبوع، ورتبها من بداية التأليف حتى أواخر القرن الثالث عشر الهجري بحسب وفاة مؤلفيها.
ولقد اهتمَّت الأمة الإسلامية بعلم التجويد اهتمامًا بالغًا، فقام علماء السلف - رحمهم الله - بخدمته ورعايته، سواء بالتحقيق والتأليف، أو القراءة والإقراء، وبذلك ظل القرآن الكريم محفوظًا في الصدور، مرتلاً مجوَّدًا؛ تحقيقًا لوعد الله - تعالى - بحفظه حيث قال: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].
والواقع أن مِن حق القرآن علينا نحن المسلمين أن نُجِيد تلاوته وترتيله؛ حتى يكون عونًا لنا على تدبُّره، وتفهُّم معانيه، ولا يتأتَّى ذلك إلا بالاهتمام بدراسة علم التجويد، ومعرفة أحكامه وتطبيقها، إما بالاستماع إلى قارئ مجيد، أو القراءة على شيخ حافظ متقن.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/65984/#ixzz3XQSZtCPq
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق