اعلم - رحمك الله - أنه ينبغي لكل مَن سعى لدراسة علمٍ من العلوم أن يبدأ أولاً بمقدماتٍ يتعرَّف فيها على مبادئه، حتى يكونَ على وعيٍ ممَّا يتعلمه؛ فكل عاقل إذا ما دعوتَه إلى دراسة أي علم، فإنه يسألُك عن تعريف هذا العلم، فإذا ما أخبرتَه، تساءل: هل يا ترى هذا العلم له أهمية يستحقُّ أن أُنفِق بسببِها فيه الوقتَ، أو أنه من الترف العقلي الذي لا يَزِيد في الإيمان شيئًا؟! ثم لو كانت له أهميةٌ، فما هي أوجه أهميته؟ ثم يسألك: هل لهذا العلم من خصائص تميِّزه؟ وما هي؟ وأيضًا: هل هناك منهج معيَّن للتعاملِ مع مسائل هذا العلم فيدرس به أو لا؟ وما هو؟ وهكذا.. لا بد أن يتعرَّف على المبادئ التي تشغلُ الذهن، قبل الدخول في العلم الذي تدعوه إليه.
وقد نظم الشيخ الصبان - رحمه الله - بعض هذه المبادئ في قوله:
إنَّ مبادي كلِّ علمٍ عشرة 
الحدُّ والموضوعُ ثم الثَّمرة 
وفضلُه ونسبةٌ والواضع 
والاسمُ الاستمدادُ حكمُ الشارع 
مسائل والبعضُ بالبعضِ اكتَفَى 
ومَن درى الجميعَ حازَ الشَّرفَا
|
وهاك بيان ذلك:
1- الحد: في اللغة: المنع، وفي الاصطلاح - وهو ما يتَّفِق عليه أهلُ كلِّ علم في استعمال ألفاظ مخصوصة يتداولونها فيما بينهم، يعبِّرون بها عن قضايا العلم -: التعريفُ بالشيء، أو الوصف المُحِيط بموصوفه، المميِّز له عن غيره، وشرط التعريف أن يكون مطَّردًا منعكسًا؛ أي: جامعًا مانعًا، لا يخرج شيءٌ من أفراده عنه، ولا يدخل فيه شيء من غير أفراده.
والتجويد في اللغة:
مصدر جوَّد من الجودة، ضد الرداءة، وهو التحسين والتجميل، ويقال للمحسِّن في تلاوة القرآن: مجوِّدًا، وقراءته مجوَّدة.
وفي الاصطلاح:
هو العلم الذي يبحث في الكلمات القرآنية، من حيث إعطاء الحروف حقها ومستحقها، أو هو إخراج كل حرف من مخرجه، وإعطاؤه حقه مستحقه من الصفات.
وحق الحرف:
صفاته اللازمة التي لا تنفك عنه؛ كالهمس والجهر، والشدة والرخاوة، والاستعلاء والاستفال، والإطباق والانفتاح، والإصمات والإذلاق، والقلقلة والتفشِّي، والاستطالة والصفير، وغيرها.
ومستحقه:
صفاته العارضة التي تعرضُ له في بعض الأحوال، وتنفك عنه في البعض الآخر لسبب من الأسباب؛ كالتفخيم والترقيق، والمد والقصر، والغنَّة والإدغام، ونحو ذلك.