الدين النصيحة
للنصيحة شأن عظيم في حياة الفرد والأمة على حد سواء
, فهي أساس بناء الأمة , وهي السياج الواقي بإذن الله من الفرقة والتنازع
والتحريش بين المسلمين ، هذا التحريش الذي رضيه الشيطان بعد أن يئس أن
يعبده المصلون في جزيرة العرب ,كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي
رواه مسلم : ( إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب , ولكن في التحريش بينهم ) . لقد رضي بالتحريش لأنه بداية طبيعية للعداء والتفرق والتنازع , المؤدي إلى الاقتتال وذهاب الريح .
فهذا الحديث له شأن عظيم , فهو ينص على أن عماد الدين
وقوامه بالنصيحة , فبوجودها يبقى الدين قائما في الأمة , وبعدمها يدخل
النقص على الأمة في جميع شؤون حياتها.
وقد كان منهج أنبياء الله ورسله مع أممهم مبنياً على النصح لهم والشفقة عليهم ، قال نوح عليه السلام مخاطبا قومه : { أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون } ( الأعراف 62ا ) . وقال صالح لقومه : {يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين} ( الأعراف 79ا ) ،وقال هود : { أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين } ( الأعراف 68ا ) .
مفهوم النصيحة :
والنصيحة كلمة يعبر بها عن إرادة الخير للمنصوح له ,
ولا يمكن أن يعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة تحصرها وتجمع معناها غير هذه
الكلمة.
أنواع النصيحة :
أنواع النصيحة خمسة ، وهي التي ذكرت في الحديث :
الأول : النصيحة لله :
وتكون بالاعتراف بوحدانيته وتفرده بصفات الكمال ونعوت الجلال , والقيام
بعبوديته ظاهراً وباطناً ، والإنابة إليه كل وقت , مع التوبة والاستغفار
الدائم , لأن العبد لا بد له من التقصير في شيء من الواجبات والتجرؤ على
بعض المحرمات , وبالتوبة والاستغفار ينجبر النقص , ويُسَدُّ الخلل.
الثاني : النصيحة لكتاب الله : وتكون بحفظه وتدبره ، وتعلم ألفاظه ومعانيه , والاجتهاد في العمل به في نفسه وتعليمه غيره .
الثالث : النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم :
وتكون بالإيمان به ومحبته ، وتقديمه على النفس والمال والولد ، واتباعه في
أصول الدين وفروعه ، وتقديم قوله على قول كل أحد , والاهتداء بهديه ،
والنصر لدينه وسنته .
الرابع : النصيحة لأئمة المسلمين : وهم
الولاة , من الإمام الأعظم إلى الأمراء والقضاة وجميع من لهم ولاية عامة
أو خاصة , وتكون هذه النصيحة باعتقاد ولايتهم , والسمع والطاعة لهم ، وحث
الناس على ذلك ، وبذل ما يستطاع في إرشادهم للقيام بواجبهم , وما ينفعهم
وينفع الناس .
الخامس : النصيحة لعامة المسلمين : وتكون بمحبة الخير لهم كما يحب المرء لنفسه , وكراهية الشر لهم كما يكره لنفسه .
شروط النصيحة :
ولا بد في النصيحة من ثلاثة أمور :
أولها : الإخلاص
لله تعالى في النصيحة لأنه لب الأعمال , ولأن النصيحة من حق المؤمن على
المؤمن , فوجب فيها التجرد عن الهوى والأغراض الشخصية والنوايا السيئة التي
قد تحبط العمل , وتورث الشحناء وفساد ذات البين .
وثانيها : الرفق في
النصح , وإذا خلت النصيحة من الرفق صارت تعنيفا وتوبيخا لا يقبل ، ومن حرم
الرفق فقد حرم الخير كله كما أخبر بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام .
وثالثها : الحِلْم
بعد النصح , لأن الناصح قد يواجه من يتجرأ عليه أو يرد نصيحته , فعليه أن
يتحلى بالحلم , ومن مقتضيات الحلم : الستر والحياء وعدم البذاءة , وترك
الفحش .
وإن من الحكمة والبصيرة في النصيحة معرفة أقدار الناس ,
وإنزالهم منازلهم ، والترفق مع أهل الفضل والسابقة , وتخير وقت النصح
المناسب , وتخير أسلوب النصح المتزن البعيد عن الانفعالات , وانتقاء الكلم
الطيب والوجه البشوش والصدر الرحب ، فهو أوقع في النفس وأدعى للقبول وأعظم
للأجر عند الله .
فهذه هي حدود النصيحة الشرعية , وخلاف ذلك هو الإرجاف والتعيير والغش الذي هو من علامات النفاق عياذا بالله , قال على رضي الله عنه : " المؤمنون نصحة والمنافقون غششة " ، وقال غيره : " المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير" .
فهذه هي حدود النصيحة الشرعية , وخلاف ذلك هو الإرجاف والتعيير والغش الذي هو من علامات النفاق عياذا بالله , قال على رضي الله عنه : " المؤمنون نصحة والمنافقون غششة " ، وقال غيره : " المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير" .
فالنبي صلى الله عليه وسلم فسر النصيحة بهذه الأمور
الخمسة , التي تشمل القيام بحقوق الله ، وحقوق كتابه ، وحقوق رسوله ، وحقوق
جميع المسلمين على اختلاف أحوالهم وطبقاتهم , فشمل ذلك الدين كله ، ولم
يبق منه شيء إلا دخل في هذا الكلام الجامع المحيط , فكان لزاما على
المسلمين أخذ النصيحة خلقا بينهم , فهي القاطعة لفساد ذات البين والتحريش ,
والموصلة لمعاني الأخوة والمحبة في الله , وهي العامل الأهم في تماسك
الجماعة والأمة , والله الموفق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق