أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
وَلَا
تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا
أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ
يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) وَلَبِثُوا
فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ
اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ
بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ
أَحَدًا (26)
صدق الله العظيم
سورة الكهف آيات 23 و 24 و 25 و 26
وَلَا
تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23)
وتتجلى في هذه الآية رحمة الله بالمحبوب محمد صلى الله عليه وسلم فلم يُرِدْ سبحانه وتعالى أن يصدم رسوله بمسألة المخالفة هذه، بل أعطاه ما أراد، وأجابه إلى ما طَلب من مسألة أهل الكهف، ثم في النهاية ذكَّره بهذه المخالفة في أسلوب وَعْظ رقيق: * وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذالِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ.. * [الكهف: 23-24]
وقد سبق أنْ ذكرنا أنه صلى الله عليه وسلم حينما سأله القوم عن هذه القصة قال: سأجيبكم غداً ولم يَقُلْ: إن شاء الله. فلم يعاجله الله تعالى بالعتاب، بل قضى له حاجته، ثم لفتَ نظره إلى أمر هذه المخالفة، وهذا من رحمة الله برسوله صلى الله عليه وسلم.
كما خاطبه بقوله:* عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ.. *[التوبة: 43]
فقدَّم العفو أولاً وقرَّره؛ لأن هذه المسألة منتهية ومعلومة للرسول، ثم عاتبه بعد ذلك. كما لو طلب منك شخص عَوْناً أو مساعدة، وقد سبق أنْ أساء إليك، فمن اللياقة أَلاَّ تَصدِمه بأمر الإساءة، وتُذكّره به أولاً، بل اقْضِ له حاجته، ثم ذكّره بما فعل.
والحق سبحانه يقول: * إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ.. *.
إِلَّا
أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ
يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)
أي: على فَرْض أنك نسيت المشيئة ساعة البَدْء في الفعل، فعليك أن تعيدها ثانية لتتدارك ما حدث منك من نسيان في بداية الأمر.
وقوله تعالى: * وَقُلْ عَسَىا أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـاذَا رَشَداً * [الكهف: 24] أي: يهديني ويعينني، فلا أنسى أبداً، وأن يجعل ذِكْره لازمة من لوازمي في كل عمل من أعمالي فلا أبدأ عملاً إلا بقوْل: إنْ شاء الله.
ثم يقول الحق سبحانه: * وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ... *.
وَلَبِثُوا
فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)
وهذه الآية تعطينا لقطةً من المذكرة التفصيلية التي أعطاها الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم عن أهل الكهف، وهي تُحدِّد عدد السنين التي قضاها الفِتْية في كهفهم بأنها ثلاثمائة سنة، وهذا هو عددها الفعليّ بحساب الشمس.
لذلك؛ فالحق سبحانه لم يَقُلْ ثلاثمائة وتسعاً، بل قال: * وَازْدَادُواْ تِسْعاً * [الكهف: 25] ولما سمع أهل الكتاب هذا القول اعترضوا وقالوا: نعرف ثلاثمائة سنة، ولكن لا نعرف التسعة؛ ذلك لأن حسابهم لهذه المدة كان حساباً شمسياً.
ومعلوم أن الخالق سبحانه حينما خلق السماوات والأرض قسَّم الزمن تقسيماً فلكياً، فجعل الشمس عنواناً لليوم، نعرفه بشروقها وغروبها، ولما كانت الشمس لا تدلّنا على بداية الشهر جعل الخالق سبحانه الشهر مرتبطاً بالقمر الذي يظهر هلالاً في أول كل شهر، وقد قال تعالى: * إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ.. * [التوبة: 36]
فلو حسبتَ الثلاثمائة سنة هذه بالحساب القمري لوجدتها ثلاثمائة سنة وتسعاً، إذن: هي في حسابكم الشمسي ثلاثمائة سنة، وفي حسابنا القمري ثلاثمائة وتسعاً. ونعرف أن السنة الميلادية تزيد عن الهجرية بأحد عشر يوماً تقريباً في كل عام.
ومن حكمة الخالق سبحانه أن ترتبط التوقيتات في الإسلام بالأهلة، ولك أن تتصور لو ارتبط الحج مثلاً بشهر واحد من التوقيت الشمسي في طقس واحد لا يتغير، فإنْ جاء الحج في الشتاء يظل هكذا في كل عام، وكم في هذا من مشقة على مَنْ لا يناسبهم الحج في فصل الشتاء. والأمر كذلك في الصيام.
أما في التوقيت القمري فإن هذه العبادات تدور بمدار العام، فتأتي هذه العبادات مرة في الصيف، ومرة في الخريف، ومرة في الشتاء، ومرة في الربيع، فيؤدي كل إنسان هذه العبادة في الوقت الذي يناسبه؛ لذلك قالوا: يا زمن وفيك كل الزمن.
والمتأمل في ارتباط شعائر الإسلام بالدورة الفلكية يجد كثيراً من الآيات والعجائب، فلو تتبعتَ مثلاً الأذان للصلاة في ظل هذه الدورة لوجدت أن كلمة " الله أكبر " نداء دائم لا ينقطع في ليل أو نهار من مُلْك الله تعالى، وفي الوقت الذي تنادي فيه " الله أكبر " يُنادي آخر " أشهد ألا إله إلا الله " وينادي آخر " أشهد أن محمداً رسول الله " وهكذا دواليك في منظومة لا تتوقف.
وكذلك في الصلاة، ففي الوقت الذي تصلي أنت الظهر، هناك آخرون يُصلّون العصر، وآخرون يُصلُّون المغرب، وآخرون يُصلّون العشاء، فلا يخلو كَوْنُ الله في لحظة من اللحظات من قائم أو راكع أو ساجد. إذن: فلفظ الأذان وأفعال الصلاة شائعة في كُلِّ أوقات الزمن، وبكُلّ ألوان العبادة.
ثم يقول الحق سبحانه: * قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ.. *.
قُلِ
اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ
بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ
أَحَدًا (26)
الأسلوب في قوله تعالى: * أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ.. * [الكهف: 26] وأسلوب تعجُّب أي: ما أشدّ بصره، وما أشدّ سمعه؛ لأنه البصر والسمع المستوعب لكلِّ شيء بلا قانون.
وقوله: * مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً * [الكهف: 26] كأن الحق سبحانه وتعالى يُطمئِن عباده بأن كلامه حَقٌّ لا يتغير ولا يتبدل؛ لأنه سبحانه واحد أحد لا شريك له يمكن أن يُغيّر كلامه.
ثم يقول الحق سبحانه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: * وَاتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ.. *.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق